لا أعرف ما الذي يقلق "فيفا" من شكر اللاعب لربه بعد تسجيله هدفاً أو انتهاء المباراة بفوز فريقه؟! أنا مع مدافع يوفونتوس الإيطالي نيكولا ليغروتاليي رغم أنه في تصريحه المنتقد لتحذير "فيفا" من ابداء المظاهر والطقوس الدينية داخل المستطيل الأخضر، حرض ضد منتخب مصر، إذ قال "المصريون شكروا ربهم بحرية دون أن يتدخل أحد في تصرفاتهم أو يمنعهم من ذلك".
ليغروتالبي يقصد سجود الشكر الذي اعتاد لاعبو منتخب مصر أداءه عقب تسجيلهم للأهداف، وهو ما رآه العالم كله في مباراتي البرازيل وإيطاليا في بطولة كأس القارات.
تحذير "فيفا" لا يبدو أنه استثنى السجود، فقد تحدث عن مظاهر وطقوس دينية بالمعنى العام، وهو ما يعني أن اللاعب المسلم لن يتمكن من الآن فصاعداً من سجدة الشكر في الملعب خوفاً من العقوبات!
أنا مع اللاعب الايطالي المستهجن للفيفا وللاتحاد الدانماركي لكرة القدم؟! لأنه لا يرى أن ثمة خطأ في أن يقوم اللاعب بالتعبير عن شكره لله حسب معتقداته الدينية.
وهو هنا يقول: "إذا كان ذلك خطأ، فما هي الأنشطة المقبولة؟ على الاتحاد الدولي أن يقلق من التصرفات الأكثر عنفاً، وأن يعطي الجميع فرصة شكر الله وقتما شاءوا".
القضية أثارها الاتحاد الدنماركي عندما قدم احتجاجاً لفيفا عن سلوك منتخب البرازيل بعد انتهاء مباراتهم في نهائي القارات بالفوز على أمريكا، فقد التفوا في دائرة كبيرة على أرضية الملعب بجوهانسبرج، وجلسوا على ركبهم وأدوا الصلاة المسيحية شكراً على فوزهم باللقب، مرتدين قمصاناً مكتوب عليها: "أحب المسيح أو انتمي للمسيح".
بعد الشكوى قام الاتحاد الدولي بتأنيب منتخب البرازيل، محذراً بشدة من ممارسة أي طقوس دينية داخل المستطيل الأخضر، وطالبهم بالاحتفاظ بذلك لأنفسهم.
المستغرب أن يثير ذلك حفيظتهم، ويتوسعوا في فصل الدين عن أي نشاط حياتي، إلى درجة تأجيج العنصرية ضد أي رمز إسلامي يعبر عن هوية المسلمين في المجتمعات الغربية.
كرة القدم جزء مهم من منظومة المجتمعات الحياتية، فإذا كان مجرد التعبير عن شكر الله، يعامل بهذه الحدة والقلق والخوف، فكيف نتوقع تسامحاً في الشارع والمدرسة والمصنع وأي مجال، يعبر فيه المسلم عن إسلامه وسائر الأديان الأخرى عن معتقداتهم؟!
سيقول الكثيرون أن تأنيب "فيفا" جاء بصفة رئيسية كرد فعل على سلوك مسيحي للاعبي البرازيل، فلماذا جعلت منه حدوتة إسلامية وتعاملت معه بنظرية المؤامرة على المسلمين؟! أنا هنا أتحدث عن سلوك أجيال جديدة ووسيطة في الغرب تأثرت بشدة من هذا القلق الديني وتشبعت به سلوكياً ضد المسلمين فقط، فصارت المحجبة إرهابية، واللاعب المسلم في المستطيل الأخضر ببلدانهم إرهابياً يخفي تحت قميصه حزاما ناسفا!
دورة الألعاب الأسيوية منعت منذ أيام نزول لاعبات منتخب البحرين بالحجاب، وعندما رفضن خلعه، ألغيت مباراتهن مع الهند واعتبرن خاسرات، ولم تتراجع اللجنة المنظمة عن إصرارها بخلع الحجاب إلا بعد احتجاج شديد من البعثة البحرينية، ما المشكلة في حجاب لاعبة؟ ما الخطأ والعيب أن يسجد لاعب أو أن يؤدي آخر الطقوس الموجودة في دينه؟! بدلاً من ذلك على الهيئات الرياضية الدولية أن ترسخ مبدأ حرية العقيدة والتعبير عنها ما دام ذلك لا يضر الآخرين.
التسامح والحب واحترام الآخر موجود في الأديان كلها، وتشجيع التدين سيقضي على الإرهاب والقتل، وسيجعل كل مجتمع يحترم المتدين أو الملتزم بعقيدته ولا يصفه بالإرهاب، وهي صفة تلتصق للأسف الشديد بنا وحدنا كعرب ومسلمين، ويبدو أنها لا تواجهنا في الغرب فقط، بل في بلداننا أيضا